[justify]الشعر الجاهلي
بين
الرواية واللغة والأدب
بقلم الدكتور محمود الزين
حين يصبح النقد في أيدي الذين لايتقنونه ولايدخلون إليه من أبوابه ولايفرقون بين أبوابه يكون قد لقي حتفه أو كاد .
وأظهر مايكون هذا الأمر حين يخلط الناقد للشعر بين نقده في باب الرواية ونقده في باب الأدب فيضعون هذا في موضع ذاك فيقعون على نتائج تباعد الحقيقة وتتنافر معها كل التنافر.
وقد قرأت كلمة لكاتب ينتقد النحو في كتاب سيبويه – وانتبه إلى هذا – بأنه في كثير من الأحيان قد بني على شواهد من الشعر الجاهلي أو شعر صدر الإسلام مروية عن أناس مجهولين ، دون أن يفرق الناقد بين راو وآخر في ما يتعلق بالاستشهاد اللغوي نحواً أو صرفاً أو شرحاً للمفردات ، وأهم فارق يغفل عنه هؤلاء هو الفارق بين راو أعرابي هو في نفسه حجة لغوية وآخر مولد لايصلح كلامه للاحتجاج وهو فرق جوهري في بابه .
ذلك أن الراوي الأعرابي الذي لم يدخل الفساد إلى كلامه ويحتج بكلامه في اللغة لايضره أن لايضبط البيت الشعري أو الكلام النثري بوضع كلمة مكان أخرى أو صيغة مكان أخرى أو أسلوب نحوي مكان آخر ، لأن كلامه في نفسه حجة ككلام الذين ينقل عنهم ، ولذلك نجد سيبويه وغيره يقول في مثل هذه الروايات سمعت أعرابياً يقول : كذا وحدثني أعرابي عن فلان الأعرابي ولايبالي أن يكون الذي يخبره مجهولاً أو غير مجهول ثقة أو غير ثقة المهم أن يكون أعرابياً لأن الأعرابي لو أخطأ أو كذب في الرواية فإنه لايخطئ في النطق ولايكون كاذباً ، وقد روى العلماء أمور اللغة عن قوم كفار والكافر لا يكون ثقة في الرواية وقد يكذب هو كما يكذب الفاسق أو أكثر .
ومن انتقد علماء اللغة في هذا النهج من الرواية فإن نقده مردود راجع إلى نفسه دل على ضعف علمه في باب النقد حتى اختلطت عليه أبوابه فوضع بعضها في موضع الآخر .
ولذلك أيضاً نجد علماء اللغة حين ينكرون ثبوت كلمة من المفردات اللغوية ، أو ينكرون وزنها الصرفي ، أو أسلوبها التركيبي أي النحوي لايعولون على هذا الجانب وإنما يعولون على نقد الراوي غير الأعرابي والطعن في روايته إما من حيث الثقة في صدقه أو علمه بما يروي .
والأمر يختلف تمام الاختلاف حين يراد بالرواية مضمونها في المعنى الإجمالي كرواية تاريخية مثلاً وحين يراد بالرواية أسلوبها الأدبي الخاص بالشاعر والناثر الذي نقلنا عنه النص ، ويمكننا بناءً على ذلك أن نرفض نصاً أدبياً ينسب إلى امرئ القيس أو النابغة مثلاً بناءً على أن الراوي مخطئ أو كاذب – ولو كان أعرابياً – لأن روايته مثلاً خالفت رواية الناقلين الثقات ، أو خالفت المعروف من لغة هذين الشاعرين أو أساليبهما مع إقامة البرهان طبعاً على هذه المخالفة ، ولذلك نرى في كلام أئمة الرواية الأدبية قولهم لغة هذا الشعر لاتشبه لغة فلان الشاعر الذي نسبت إليه أو لاتشبه أسلوبه المعهود في شعره ، وهذا أمر يتكرر كثيراً في كتب الرواية التي تهتم بنقل النصوص الأدبية من أجل أسلوبها وكذلك نجد في كتب الرواية التاريخية كسيرة ابن اسحاق أن يقول راويها عن طريقه وكان لغوياً عالماً بالشعر : وهذه الأبيات لاتصح لأن أكثر أهل العلم بالشعر ينكرها أو ينكر أنها شعر فلان يعني الذي روى الشعر عنه ونسب إليه .
وخلاصة الأمر أن النقد يكون أساسه صحيحاً ولكنه يوضع في غير موضعه فيفسد
http://www.dralzain.com/Article.aspx...ID=2&RefID=166
[/justify]
المفضلات