رمضان خير الدنيا والآخرة

* محاضرة في كلية الدعوة الإسلامية في دمشق

د . حسن الباش


تتقلب الأجواء وتتقدم التواريخ، وهذا الزمن يسير بنا من ساعة لأخرى ومن يوم إلى آخر ومن عام إلى عام، ونحن نكبر في أعمارنا ونهرم في أجسادنا وننتقل من الدنيا إلى البرزخ إلى عالم آخر لا يعلمه إلا سبحانه .

نمضي ويبقى الزمن، تفنى أجسادنا ويبقى الزمن، تولد أجيال جديدة ويبقى الزمن متحركاً إلى الأمام لا يستطيع إيقافه أحد من المخلوقات .

المسلم المؤمن يدرك أن الدنيا دار بلاء وابتلاء فهناك طريق الرحمن وهناك طريق الشيطان، وهناك المصير الذي لا بد منه، مصير العمل الصالح ومصير العمل السيئ، نموت ولا تفنى أعمالنا، فما قدمناه في هذه الدنيا سنجده مكتوبا مفصلا وشاهدا، فيا لسعادة من أشرقت أعماله الخيرة الحسنة ويا لتعاسة من أظلمت أعماله السيئة الشريرة .

رمضان يستوقفنا . فهو شهر مشهور مشهود . . تتوالى أيامه ولا تتوقف، وإن كانت حارة شمسها أو مثلجة لياليها . . نرى الليل والنهار ولا ندري إلا وقد انتهى لننتظره سنة أخرى وهكذا .

رمضان أيام وساعات مثله مثل بقية الأشهر يأتي ويمضي ولا يتوقف، وهنا يسأل المسلم المؤمن: كيف أعيش رمضان؟ وكيف أحيا به كما يحيا فينا؟

كتب الصوم في هذا الشهر فلا يأكل الإنسان ولا يشرب إلا عندما تغيب شمس النهار وبأذن الله له بالإفطار فيفرح الفرحة الأولى، وهناك يفرح عندما يلقى جزاءه من الله، فقد كتب الصوم ليمنع الإنسان من أذية أخيه وجاره وابن وطنه، وكتب الصوم ليمنع نوازع النفس وميولها الآثمة الضارة .

ومفروض على المسلم أن يكون مع المسلمين والفقراء في شعورهم ومعاناتهم وحياتهم، والمراقبة للنفس اقتراب من تصفية الروح من شوائب الدنيا وخاصة المحرمات منها، فمن يمنع النفس من الاقتراب من الشهوات يترقى ويرقى من المادة والجسد إلى المعنى والروح والصفاء والطهارة والنقاء، ونظرة ثاقبة إلى الدنيا ترينا أن اللذة المادية الفانية، قد تفرح النفس حين يتمتع الإنسان ويستلذ، ولكنها لحظات لا تدوم أولا وتؤدي إلى المهالك ثانياً، ولا يصحو المخطئ إلا بعد فوات الأوان، فأنت تسجل على نفسك ما فعلت وأنت تكتب بقلمك خيرك وشرك .

رمضان موسم متميز للإكثار من الصدقات والعطاء والحسنات فما قصدنا فيه نستدركه في رمضان، وكأننا بصوت رمضان ينادينا تعالوا إلى الحسنات والخير؛ تعالوا إلى مائدة الرحمة المليئة بالحلال والبعيدة عن الحرام، تعالوا إلى الإيمان الذي يغسل صدأ القلوب فكم تحتاج دماؤنا للتنقية من السموم والشوائب وكم تحتاج أجسادنا للتوازن الذي يدفع نحو الحركة المتقدمة الدائمة؟

رمضان يتبرأ من الكسالى والنائمين، وتأتي المواسم موسماً بعد موسم يزرع الزارعون الشجر والحبوب ويسقون الأرض بعد حرثها وتغذيتها، ويمكثون أياما وشهورا وبقدر ما يعتنون يحصدون الثمار والغلال، ولو ناموا وتكاسلوا فلن تأتي الحبوب والثمار من السماء .

رمضان موسم لزرع الخير هنا وهناك وتغذيته بالإحسان والعطف والزكاة والصدقات وسقايته بالعبادات والاحتشام والحياء من الله فيما نعمل، فسبحان الله والذي يغير الأجواء ويمهر النفوس ويهيئها ويجعل رائحة رمضان تنتشر مع الهواء الذي نتنفسه ومع الكلمات التي ننطق بها، وكم من عين فاضت بالدمع كلما تذكر المؤمن أن موسم رمضان قادم وها هو يعيش فينا .

سبحان الله الذي جعل القلوب ترق والنفوس تهدأ استعدادا لقدوم هذا الشهر العظيم، كل يفكر ويسأل نفسه ما هو برنامجي في هذا الشهر الفضيل؟ كم سأعطي من الزكاة والصدقات والخير؟

رمضان يغير الأجساد والنفوس ويغير الحركة بين الناس فمن كان غافلا لا بد من أن يصحو ومن كان ناسيا فليتذكر، فهذا موسم العطاء والخير والتسامح .