كرامة الإنسان في الإسلام

د . عكرمة صبري

رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس


تميزت رسالة رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم بأنها موجهة للإنس والجن معاً، وقد اعتبرت هذه الميزة من الخصائص العامة للدين الإسلامي، حيث بعث رسوله عليه الصلاة والسلام للناس جميعاً، فيقول سبحانه وتعالى: “يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً” (سورة الأعراف الآية 158) .

وإنه رحمة للعالمين أيضاً فيقول رب العالمين: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (سورة الأنبياء الآية 107)، ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي العظيم يمتاز بالعمومية والشمولية والديمومة: فالإسلام عام لجميع شعوب العالم وليس للعرب وحدهم، وهو يتناول جميع شؤون الحياة فلا يقتصر على العبادات وحدها، وهو دائم لكل زمان ومكان، ولا يقتصر على فترة محدودة، ومن أقواله عليه الصلاة والسلام: “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى” .

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد” .

وكما أن الإسلام قرر كرامة الإنسان حياً فإنه قرر كرامته ميتاً أيضاً، فلا يجوز الاعتداء على جثمانه ولا التمثيل به، ولا يجوز كذلك كسر عظامه أو نبش قبره، كما لا يجوز ترك الجثمان في العراء فإن كرامة الميت تكون في دفنه، وحتى لا يجوز المشي على القبور ولا الجلوس عليها، وأن الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد، حتى توضع”، أي: لا يجوز للمشيع للجنازة أن يجلس حتى توضع الجنازة عن الأكتاف، وذلك احتراماً للمتوفى .

وقال عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف آخر “كسر عظم الميت ككسره حياً” .

ولقد كرّم الله سبحانه وتعالى الإنسان من خلال أوجه عدة، أشير إلى أبرزها، وهي:

1- أنعم الله عز وجل على الإنسان بالعقل للتفكير والقدرة على التصرف وميزه عن سائر المخلوقات بهذا العقل، وقد وردت مئات الآيات الكريمة التي تصرح بذلك وتحث على أعمال العقل، فيقول رب العالمين “أفلا تعقلون” و”أفلا تتفكرون” و”يا أولي الألباب” . وكما هو معلوم بداهة فإن العقل من أعظم وأجل النعم التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وهذا ما حدا بعدد من علماء التفسير والتوحيد إلى حصر التكريم بالعقل وحده .

2- وكرّم الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن منحه حرية الكلمة، وشجعه على قول الحق والصدق لقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم “إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه” .

3- كرّم الله عزوجل الإنسان باستخلافه في الأرض بقول “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة” (سورة البقرة الآية 30) . والاستخلاف عبارة عن وظيفة كريمة وضعت الإنسان في مركز المسؤولية لعمارة الأرض واستثمارها والاستفادة من مواردها وإدارة شؤونها . وما من شك في أن إسناد المسؤولية إلى الإنسان يعني أن رب العالمين قد منحه الصفات والخصائص التي تؤهله لحمل المسؤولية والقيام بها، ولذا ينبغي على الإنسان أن يحمل المسؤولية بجدارة وكفاءة كما أرادها الله له، وأن يؤدي الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه نفسه وتجاه البشرية جمعاء .

4- كرّم الله العلي القدير الإنسان بتسخير المخلوقات له، فإن ما في السماوات وما في الأرض ومن المخلوقات ومن النعم أيضاً هي جميعاً وسائل مهيأة لراحة الإنسان وتأمين احتياجاته، فهي في الواقع مخلوقة لأجل الإنسان لقوله سبحانه وتعالى: “ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة” (سورة لقمان: الآية 20) .

5- قرر الله رب العالمين حرية العبادة للناس جميعاً بقوله: “لا إكراه في الدين” (سورة البقرة الآية 256)، وقوله: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (سورة يونس الآية 99)، وقوله “لكم دينكم ولي دين” (سورة الكافرون الآية 6)، وأي تكريم أسمى وأرفع من أن يؤدي الإنسان عبادته بحرية واطمئنان؟

6- كرّم الله العلي القدير الإنسان بالتعلم والقراءة والكتابة والبحث . . ولبيان مدى اهتمام الإسلام بالعلم فقد كانت أولى الآيات نزولاً في القرآن الكريم على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي: قوله عز وجل “اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم” (سورة العلق الآيات 1- 5) . وهناك مئات الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على طلب العلم وترغب فيه . وتبين منزلة العلماء .