التميز منشود محمود
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
الإسلام دين التميز في كل أحواله وأقواله وأفعاله؛ فعقيدته متميزة بالتوحيد الخالص، وعباداته متميزة بالإخلاص الكامل، ومعاملاته متميزة بوجوب الصدق والنصح، وعلاقاته متميزة بوجوب العدل والإنصاف، والعمل فيه متميز بوجوب الإتقان، والعلم فيه عبادة جُلى، والإخلاص فيه ثمرة كل عمل.
ورتب على كل ذلك أجراً عظيماً، وفضلاً كريماً، فقد قال سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشهَادَةِ فَيُنَبئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، أي من خير فتثابون عليه، أو شر فتُجزون عليه، والعمل غير مقصور على العبادة المعهودة، بل شامل لكل عمل تجري عليه الأحكام الخمسة، كما كان يقول عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: «احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضِلون - أي يتبارون في الرماية - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً ارموا، وأنا مع بني فلان»، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لكم لا ترمون؟»، فقالوا: يا رسول الله نرمي وأنت معهم، قال: «ارموا وأنا معكم كلكم»، فشجع صلى الله عليه وسلم الفريقين على حسن الرماية؛ لما فيها من نفع كبير للإسلام والمسلمين.
كذلكم يكون التنافس فيما ينفع الناس في دنياهم، كما ندب الله إليه لما ينفعهم في أخراهم، بيد أن التنافس لا يتحقق إلا على مبدأ الثواب والعقاب، لما فيه من شحذِ الهمم لبذل قُصارى الجهد المتاح لتحقيق الأسبقية، كما يكون في التصفيات التي تتوج بتكريم المتميزين، والإشادة بالمبدعين، فذلك هو منهج الإسلام الذي يثيب المحسن ويعاقب المسيء، والذي يعطي كل إنسان حقه من غير وكس ولا شطط، فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم»، وكان يكرم كريم القوم ويعطيه حقه؛ لأن ذلك هو العدل الذي يحمل الناس على التفاني ببذل الحقوق والواجبات، أما غَمط الناس حقوقهم فهو من الظلم بل الكبر المقيت، ثم إنه يكون عائقاً أمام التنافس الشريف.
وقد كان المتميزون من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم يتحسسون من أن يحمدوا بما فعلوا، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتَ الرجلَ يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: «تلك عاجل بُشرى المؤمن»، فهنيئًا مرة لمن تميزوا لأنهم أخلصوا ففازوا، وهنيئاً ألف مرة لمن مَيزوا لأنهم عرفوا كيف يصنعون التميز، وما هذا إلا توفيق في وقتٍ العالمُ فيه غريق.
المفضلات