ليلة النصف من شعبان اعتادت الأمة إحياءها بصنوف العبادة ورفع الدعوات إلى قاض الحاجات جل جلاله.
للآثار الوارة في فضلها... وهي تبشرنا بقرب حلول شهر الصيام لنستعد له.
وقد ألف أهل العلم قديما وحديثاً في ذلك مؤلفات خاصة: فللنجم الغيطي، وابن حجر المكي ، وعلي القاري وسالم السنهوري وغيرهم رسائل معروفة في هذا البحث ،
ومن أنفع ما ألف في فضائل اليالي والأيام المباركة كتاب ( اللطائف ) لابن رجب الحنبلي ، وهو مطبوع متداول بالأيدي.
أما ماذكره الثعلبي في تفسيره من حمل الليلة المباركة المذكورة في أول سورة الدخان على النصف من شعبان فسَبْق قلم لمخالفة ذلك لنص القرآن القاضي بنزوله في شهر رمضان. فلايعرج عليه وإن تبعه بعض من بعده من المفسرين .. ولامانع من أن تكون تلك الليلة زمن تسليم بعض سجلات الشقاء والسعادة السنوية لموكليها من الملائكة الكرام كماورد في بعض الآثار ، وكما روي عن بعض السلف الرغبة في رفع طاعة له في تلك الليلة المناسبة فتكون المقادير السنوية موزعة بينها وبين ليلة القدر على هذا الرأي .
وأخرج الترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم خروجه عليه السلام إلى البقيع في تلك الليلة يدعو الله عزوجل . وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: كثرة مغفرة الله سبحانه في تلك الليلة المباركة للمذنبين التوابين.
إلا أنه نظر البخاري في سند الحديث لانقطاعين في موضعين من سند الحديث حيث لم يسمع الحجاج بن أرطاة من يحيى بن أبي كثير ويحيى من عروة ، لكن الإنقطاع بمجرده لايدل على ترك الحديث إطلاقاً ... نعم في ابن أرطاة كلام إلا أن الترمذي حسن بعض حديثه ، ولاسيما أن هذا الحديث له شواهد عند ابن ماجه والبيهقي وابن خزيمة وغيرهم ، فلاينكر فضلها وفضل الدعاء والاستغفار والعبادة فيها .
ولذا نجد في كتب لأهل الفقه عند إحياء تلك الليالي في عداد الليالي المندوب إحياؤها في الشرع فيشتغل الشحيح بدينه الحريص على الليالي الفاضلة بصنوف العببادات المستجلبة لرضا الله سبحانه وغفرانه كماهو الجاري في جميع بلاد الإسلام.
وأما الصلوات الخاصة فلم يثبت منها شيء خاص ،وإن ذكرها أمثال قوت القلوب والإحياء والغنية، وقد أطال المحدث عبد الحي اللكنوي النفس في تبيين وجوه الفساد في رواياتها في ( الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)ص 307- 314
وقال ابن رجب في لطائف المعارف: في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث متعددة. وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه،
ومن أمثلتها حديث عائشة عند أحمد والترمذي وابن ماجه. ا.هـ
وهو حديث خروجه عليه السلام إلى البقيع في تلك الليلة ، وقد قسا ابن العربي عليه ، وتشدده معروف وغاية ماقاله فيه الترمذي: حديث عائشة لانعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج وسمعت محمداً( يعني البخاري) يضعف هذا الحديث وقال: يحيى لم يسمع من عروة والحجاج لم يسمع من يحيى . ا. هـ
وذلك بعد أن قال : وفي الباب عن أبي بكر الصديق . يريد به ما أخرجه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك ( بن عبد الملك بن المصعب بن أبي ذئب الفهري) عن المصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عن جده ( أبي بكر الصديق) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في ( التوحيد) لابن خزيمة ’ وكتاب التوحيد له يعد قطعة من صحيحه وأخرجه تلميذه ابن حبان أيضاً في صحيحه لكن في سماع مصعب من القاسم وقفة. والله أعلم..
وأما حديث بن أبي طالب رضي الله عنه عند ابن ماجه مرفوعاً(( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقولوا ليلها وصوموا نهارها)) الحديث ..
ففي سنده ابن أبي سبرة ولم يخرج عنه أحد من الأئمة الستة غير ابن ماجه وهو يرمى بالوضع لكن ابن جريج كان يروي عنه ويدخل أحاديث في كتبه ، وكان تولى القضاء ببغداد قبل أبي يوسف . وتمام الحديث (( فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول : ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر))
ومعنى النزول فتحه لباب الإجابة لعباده وهو استعمال عربي صحيح، وحمله على الإنتقال من فوق إلى تحت جهل بمايجوز في الله ومالايجوز.، فلابد من حمل النزول على الإسناد المجازي بمعنى بعثه من ينادي هذا النداء كمايدل على ذلك حديث النسائي ، أو على المجاز في الطرف بمعنى أنه يقبل على المستغفرين كماذهب إلى ذلك حماد بن زيد وغيره . والغروب وثلث الليل ممايختلف باختلاف المطالع فيستمر هذا وذاك بالنظر إلى مختلف البلاد ، فلايتصور أن يراد الهبوط الحسي في مطلق أحاديث النزول
فيكون على نمطها حديث ليلة النصف من شعبان بل حديث شعبان متكلم فيه، فسوق ابن خزيمة له في صدد الإحتجاج به على النزول الحسي باطل مردود بالمرة.
قال ابن حزم في الفصل (2-172) وهذا إنما هو فعل يفعله الله تعالى في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء وأن تلك الساعة من مظان القبول والإجابة والمغفرة للمجتهدين والمستغفرين والتائبين ، وهذا معهود في اللغة، تقول : نزل فلان عن حقه بمعنى وهبه لي وتطول به علي ، ومن البرهان على أنه صفة فعل لاصفة ذات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق النزول المذكور بوقت محدود فصح أنه فعل في ذلك الوقت مفعول حينئذ ،
وقد علمنا أن مالم يزل فليس متعلقاً بزمان البتة ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور ماذلك الفعل، وهوأنه ذكر عليه السلام أن الله يأمر ملكاً ينادي في ذلك الوقت بذلك، وأيضاً فإن ثلث الليل محتلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب ، يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه، فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك الوقت لأهل كل أفق. وأما من جعل ذلك نقلة فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم بعون الله وتأييده، ولوانتقل تعالى لكان محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمكان ، وهذه صفة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .فقد حمد الله إبراهيم خليله ورسوله وعبده صلى الله عليه وسلم إذبين لقومه بنقله القمر أنه ليس رباً فقال: فلما أفل قال لاأحب الآفلين
وكل منتقل عن مكان فهو آفل عنه تعالى الله عنه هذا . ا.هــ
هذا مايقوله ابن حزم الظاهري في حديث النزول وأين هذا من حشوية اليوم الذين يدعون الأخذ بالظاهر فيمايخرجهم من الملة ! والله ولي الهداية .
انتهى من كتاب مقالات الكوثري ص 50-52
![]()
المفضلات